فصل: الخبر عن انتقاض أبي علي الملياني بمليانة على يد الأمير أبي حفص.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن مقتل اللياني وأوليته وتصاريف أحواله.

أصل هذا الرجل من لليانة قرية من قرى المهدية مضمومة اللام مكسورة الثانية وكان أبوه عاملا بالمهدية وبها نشأ ابنه أبو العباس وكان يتنحل القراءة والكتاب حتى حذق في علوم اللسان وتفقه على أبي زكريا البرقي ثم طالع مذاهب الفلاسفة ثم صار إلى طلب المعاش من الإمارة فولي أعمال الجباية ثم صودر في ولايته على مال أعطاه وتخلص من نكبته فنهض في الولايات حتى شارك كل عامل في عمله بما أظهر من كفايته وتنميته للأموال حتى قصر بهم وأديل منهم.
وكان الكثير منهم متعلقا من ابن أبي الحسين رئيس الدولة بذمة خدمة فأسفه بذلك وأغرى به بطانة السلطان ومواليه حتى سعوا به عند السلطان وأنه يروم الثورة بالمهدية حتى خشن له باطن السلطان فدخل عليه ذات يوم أبو العباس الغساني فاستجازه السلطان في قوله:
اليوم يوم المطر فقال الغساني: وويوم رفع الضرر فتنبه السلطان واستزاده فأنشد: والعام تسعة كمثل عام الجوهري فكانت إغراء باللياني فأمر أن يتقبض عليه وعلى عدوه ابن العطار وكان عاملا وأمر أبا زيد بن يغمور بامتحانهما فعذبهما حتى استصفى أموالهما والميل في ذلك على اللياني وكان في أيام امتحانه يباكر موضع عمله ثم نمي عنه أنه يروم الفرار إلى صقلية وبوحث بعض من داخله في ذلك فأقر عليه فدفع إلى هلال كبير الموالي من العلوج فضربه إلى أن قتله ورمى بشلوه إلى الغوغاء فعبثوا به وقطعوا رأسه ثم تتبع أقاربه وذووه بالنكال إلى أن استنفذوا.

.الخبر عن انتقاض أبي علي الملياني بمليانة على يد الأمير أبي حفص.

كان المغرب الأوسط من تلمسان وأعمالها إلى بجاية في طاعة السلطان منذ تغلب أبوه الأمير زكريا عليه وفتح تلمسان وأطاعه يغمراسن وكان بين زناتة بتلك الجهات فتن وحروب شأن القبائل اليعاسيب وكانت مليانة من قسمة مغراوة بني ورسيفان وكانوا أهل بادية.
وتقلص ظل الدولة عن تلك الجهات بعض الشيء وكان أبو العباس الملياني من مشيخة مليانة صاحب فقه ورواية وسمت ودين رحل إليه الأعلام وأخذ عنه العلماء وانتهت إلى رئاسة الشورى ببلده ونشأ ابنه أبو عليه علي من الخلال متهالكا في الرياسة متبعا غواية الشبيبة فلما رأى تقلص ظل الدولة وفتن مغراوة مع يغمراسن ومزاحمته لهم حدثته نفسه بالاستبداد فخلع طاعة آل أبي حفص ونبذ دعوتهم وانبرى بها داعيا لنفسه وبلغ الخبر إلى السلطان فسرح إليه أخاه الأمير أبا حفص ومعه الأمير أبو زيد بن جامع ودن الرنك أخو الفنش وطبقات الجند فخرج من تونس سنة تسع وخمسين وستمائة وأغذ السير إلى مليانة فنازلها مدة وشد حصارها حتى اقتحموها غلابا وفر أبو علي الملياني ولحق ببني يعقوب من آل العطاف أحد شعوب زغبة فأجاروه وأجازوه الى المغرب الأقصى إلى أن كان من خبره ما نذكره بعد.
ودخل الأمير أبو حفص مليانة ومهد نواحيها وعقد عليها إلى ابن منديل أمير مغراوة فملكها مقيما فيها لدعوة السلطان شأن غيرها من عمالات مغراوة وقفل الأمير أبو حفص إلى تونس ولقيه بطريقه كتاب السلطان بالعقد له على بجاية وإمارتها فكره ذلك غبطة بجوار السلطان وترددت في ذلك رغبته فأديل منها بالشيخ أبي هلال عياد بن سعيد الهنتاتي وعقد له على بجاية ولحق الأمير أبو حفص بالحضرة إلى أن كان من خلافته ما نذكر بعد وهلك شقيقه أبو بكر بن الأمير أبي زكريا ثانية مقدمه إلى تونس سنة إحدى وستين وستمائة فتفجع له الخليفة والقرابة والناس وشهد السلطان جنازته والبقاء لله وحده.

.الخبر عن فرار أبي القاسم بن أبي زيد ابن الشيخ أبي محمد وخروجه في رياح.

كان أبو القاسم بن أبي زيد هذا في جملة ابن عمه الخليفة وتحت جرايته وأبوه أبو زيد هو القائم بالأمر بعد أبيه الشيخ أبي محمد ولحق بالمغرب وجاء أبو القاسم في جملة الأمير أبي زكريا وأوصى به ابنه إلى أن حدثته نفسه بالتوثب والخروج وخامره الرعب من إشاعة تناقلها الدهماء سببها أن السلطان استحدث سكة من النحاس مقدرة على قيمته من الفضة حاكى بها سكة الفلوس بالمشرق تسهيلا على الناس في المعاملات باسرافها وتيسيرا لاقتضاء حاجاتهم ولما كان لحق سكة الفضة من غش اليهود المتناولين لصرفها وصوغها وسمى سكته التي استحدثها بالحندوس ثم أفسدها الناس بالتدليس وضربها أهل الريب ناقصة عن الوزن وفشا فيها الفساد واشتد السلطان في العقوبة عليها فقطع وقتل وصارت ريبة لمن تناولها وأعلن الناس بالنكير في شأنها وتنادوا بالسلطان في قطعها وكثر الخوض في ذلك وتوقعت الفتنة وأشيع من طريق الحدثان الذي تكلف به العامة أن الخارج الذي يثير الفتنة هو أبو قاسم بن أبي زيد فأزال السلطان تلك السكة وعفا عليه وأهمه شأن أبي القاسم ابن عمه وبلغه الخبر فخامره الرعب إلى ما كان يحدث نفسه من الخروج ففر من الحضرة سنة إحدى وستين وستمائة ولحق برياح ونزل على أميرهم شبل بن موسى بن محمد رئيس الدواودة فبايع له وقام بأمره ثم بلغه اعتزام السلطان على النهوض إليه فخشي بادرته واضطرب أمر العرب من قبيله ولما أحس أبو القاسم باضطرابهم وخشي أن يسلموه إذا أزادهم السلطان عليها تحول عنهم ولحق بتلمسان وأجاز البحر منها إلى الأندلس وصحبت الأمير أبا إسحاق ابن عمه في مثوى اغترابهما بالأندلس ثم ساءت أفعاله وعظم استهتاره وفشا النكير عليه من الدولة فلحق بالمغرب وأقام بتينملل مدة ثم رجع إلى تلمسان وبها مات وقام الأمير أبو إسحاق بمكانه من جوار ابن الأحمر إلى أن كان من أمره ما نذكره.